يمثل الكتاب مساهمةً نقديةً للحداثة الغربية؛ ولا يخفى علينا ما قد يثيره بناء هذا النقد على الأخلاق الدينية من مشاعر الاستنكار في نفوس المقلّدة من "المفكرين الحداثيين" العرب؛ ولو أنهم رجعوا إلى أنفسهم، لوجدوا أنهم يبيحون لأنفسهم ما يحرّمونه على غيرهم، فإذا جاز عندهم أن ينتقدوا الدّينيّ بواسطة ما هو لا ديني، فلِمَ لا يجوز عند سواهم أن ينتقدوا اللاديني بواسطة ما هو دينيّ ! وإذا جاز عندهم أن ينتقدوا الأخلاق الإسلامية بواسطة الحداثة العلمانية، فلم لا يجوز عند سواهم أن ينتقدوا الحداثة العلمانية بواسطة الأخلاق الإسلامية؟! فلا بد إذن من طلب أخلاقيات تنأى عن السطح الذي وقفت عنده الحداثة وتغوص في أعماق الحياة وأعماق الإنسان، فلا أعمق من حياة تمتد من عاجلها إلى أجلها ولا أعمق من إنسان يتّصل ظاهره بباطنه؛ وأيّ المعاني الخُلقية تستطيع استيعاب هذا الامتداد للحياة، وهذا الاتصال للإنسان من المعاني التي ينطوي عليها الدين الإلهي! أليس يسعى هذا الدين إلى صلاح الحياة الإنسانية في الحال وفلاحها في المآل! فما بالك بدين كالإسلام الذي جاء ليكون تماماً وكمالاً لهذه المعاني الروحية.