لا مِرْيَة في أنّ مطالعة التّاريخ من أهمّ الأمور التي تثقّف العقول، وتهذّب الأخلاق، وتنمّي العواطف الوطنيّة في الشّعوب؛ إذ بواسطته يقف الإنسان على أسباب اِرتقاء الأمم فيتبعها، ويعلم كنه موجبات اِنحطاطها فيجتنّبها؛ ولذلك حثّ العقلاء على دراسته دراسة فلسفيّة لا الاكتفاء بحفظ بعض التّواريخ والأسماء وسردها عن ظهر قلب، بل بالبحث والتنقيب عن أسباب كلّ حادث، والوقوف على حقيقتها وربط الحوادث ببعضها. ولمّا كان تاريخ الرّومانيين مفعمًا بالحوادث الصادرة عن حبّ الوطن، والإخلاص، وكانت مطالعته واجبة على كل من يريد معرفة طرق تقدّم الأمم وارتقائها، و كيف تنال الحريّة والاستقلال بالدّفاع عن حقوقها ضدّ كل معتدٍ ظالم، والاتحاد على ما فيه خير وطنهم وفلاحه، وجمع كلمتهم أمام الدّخيل المزاحم، ونبذ النّفاق والشّقاق من بينهم ليكونوا يدًا واحدةً لإعلاء شأن الوطن. قدّم المؤلف في كتابه ما يلخّص تاريخ هذه الأمّة التي ملكت أغلب جهات المسكونة، وامتدت حدود أملاكها من المحيط الأتلانتيكيّ غربًا إلى جبال القوقاز شرقًا، ومن بلاد بريطانيا (إنكلترا) شمالاً إلى أصوان جنوبًا.