إن البحث في الأمجاد البحرية لأمتنا العربية وفن الحرب البحرية في تاريخنا العربي الإسلامي هو وقفة مع الذات كي نمعن التفكير في أسباب قوتنا يوم عبرت أساطيلنا البحار والمحيطات لتنشر الحق والعدل والحضارة والنور وترفع في ربوع أوروبا وآسيا وأفريقيا ألوية أمتنا الظافرة، لعلنا نستمد من تاريخنا وأصالتنا ما يبعث الحياة في حاضرنا فتستأنف الأمة العربية مسيرتها وتعود إلى دورها الحضاري الرائد، وتخفق من جديد أعلام أساطيلنا العربية لتعيد المجد التليد. إن كتب التاريخ حافلة بسرد تاريخ الأسطول العربي ونشوئه وتطوره ووصف معاركه وغزواته لكن مسألة فن الحرب البحرية في التاريخ العربي الإسلامي كموضوع مستقل متكامل مترابط لم تعالج على الإطلاق في أي مرجع من المراجع العربية أو الأجنبية، من وجهة النظر فن الحرب، لذا ارتأينا تقديم بحث مكثف يتناول هذا الموضوع بالذات لإبراز صفحات مشرقة من تاريخنا البحري العربي الإسلامي. ونظراً لأن نشاط الأساطيل العربية قد تركز بصورة أساسية في البحر الأبيض المتوسط، لكونه مسرح الصراع الأساسي بين الروم البيزنطيين والعرب وبصورة جزئية في البحر الأحمر، لذا فإن البحث قد عالج مسائل الحرب البحرية في هذين البحرين في الفترة الممتدة من عصر الخلفاء الراشدين وحتى نهاية الدولة العربية الإسلامية في الأندلس (1492م). هذا وتجدر الإشارة إلى أن بحثنا هذا ليس سرداً تاريخياً للأحداث، إلا بالقدر الذي يتطلبه البحث، لذا ابتعدنا، قدر الإمكان، عن التفاصيل التي لا تخدم جوهر الموضوع الأساسي، لكي يبقى بحثاً مستقلاً جديداً مفيداً للباحثين في هذا المجال والمهتمين بالتاريخ العربي الإسلامي بصورة عامة وفن الحرب فيه بصورة خاصة …