الإنسان معرّض لضغوطات كثيرة في الحياة، فنجد من يستحمق على عجل فيثور غضبه لأبسط الأمور، ومنهم من يحتفظ برجاحة عقله وضبط نفسه، وهذا الأخير هو ما يسمى بالحلم، والذي يلازمه الصفح فيظهر كثمرة من ثماره، فنجد درجات الناس تتفاوت في الثبات أمام المثيرات، وهذا يعود إلى طباع كل شخص.
من هنا نطرح الإشكال: ما هو الحِلم ؟ وما هو أثره على الفرد وعلاقته بغيره؟
لكل منا طبعه الخاص في شخصيته من الشدة أو الهدوء، والعجلة والأناة، فالشخص السوي يتسع صدره ويتجاوز عن الأخطاء، ويلتمس المبررات، ويعود هذا إلى التحكم بالأناة وضبط النفس.
وهنا يظهر لنا معنى الحلم.
فالحِلم هو خلق كريم من أخلاق الإسلام العظيمة، يتمثل في تريث الإنسان وتثبته في الأمر، ويعني ضبط النفس في مواجهة إساءات الآخرين ابتغاء وجه الله.
إنه ذلك الخلق الرفيع الذي أوصانا به نبينا الكريم ــــــــ صلى الله عليه وسلم ـــــ فقال في الحديث النبوي الشريف لأشج عبد القيس:" إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة". رواه مسلم.
ويعتبر الحلم ضبط إرادي للانفعال يعطي الحليم الفرصة للتفكير الهادئ والتقدير السديد لتلك الإساءات، فيبتلع غضبه فلا ينفجر ويقبض يده فلا يقتص، فيغلب الحلم على الغضب والعفو على العقاب، قال الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح وآبى أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الإحراق طيبا
كما أن الحلم يكفل لصاحبه أن يبقى ضمن إطار القانون والفضيلة، ويتيح الحليم لغيره الفرصة لنيل العفو والصفح عن إساءته.
إذا تأملنا في آيات القرآن الكريم نجد العديد من الآيات التي تعالج الحلم، قال الله تعالى: "وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ". [آل عمران: 134].
وقال الله تعالى: "وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ". [الشورى: 37].
كما نجد أن صفة الحلم تعود على صاحبها بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة، فهي صفة من صفات المتقين، كما أنه يحوّل العداوة إلى مودة، وقد جعل الله تعالى الصفح والحلم من علامات القوة وليس الضعف لقوله تعالى:" وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [الشورى:43].
كذلك من آثاره هو الإخاء بين أفراد المجتمع وأيضا يقلل من الجريمة والثأر والانتقام.
فالحلم من الآداب العظيمة لضبط النفس التي يجب أن يتحلى بها المسلم في حياته، اقتداء بالرسول عليه والصلاة والسلام، فنحن اليوم في أمس الحاجة إلى التحلي بهذا الخلق النبوي لضمان العلاقات الحسنة بين المسلمين، وتوطيد أواصر الأخوة ونبذ العداوة والبغضاء بين الإخوة والأصدقاء والأصحاب.